لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

منخفضو الدخل من العمال المهاجرين يعانون من تزايد مشاكل عدم دفع الأجور في البحرين

في 24 أكتوبر 2019

صنّف مسح أجراه مصرف HSBC، البحرين كثاني أفضل مكان في العالم للعيش والعمل للأجانب، وأرجع المسح الذي أجراه البنك لاستكشاف أحوال المغتربين، ذلك إلى "مكونات الراتب المغرية، ومستوى الدخل المرتقب بالإضافة إلى المنافع الثابتة التي يشتمل عليها الراتب". كما صنّفت  مجلة "فوربس"، في مارس، البحرين على أنها ثاني أفضل مكان في العالم للنساء للعمل في الخارج، وذلك بناء على مسح أُجري على عدد من الدول. واحتفت الحكومة ووسائل التواصل الاجتماعي المحلية بهذا الفوز الذي حصلت البحرين عليه. 

لكن يبدو واضحاً أن العمال المهاجرين من ذوي الدخول المنخفضة ليسوا هم "االمهاجرين" الذي خضعوا للمسح في هذه التقرير. فواقع هؤلاء يختلف، وبشكل كبير، عن هذه الصورة الوردية التي رسمها الإعلام؛ فإجراءات التقشف، والتراجع الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة، جميعها تعني أن هناك تزايد في عدد العمال المغتربين الذي يعيشون أوضاعاً غير مستقرة في البحرين.  أما الإصلاحات الأخيرة التي شهدها نظام العمالة المهاجرة فهي لاتزال محدودة التطبيق وفشلت، إلى حد كبير، في حماية العمال المهاجرين الذين يشكلون القاعدة الأوسع في الهرم الاجتماعي. 

ويقوم هذا التقرير بمراجعة قضية عدم دفع الأجور التي أصبح منخفضو الدخل من العمال يواجهونها بشكل متزايد في البحرين، وتقييم تعامل الحكومة مع ذلك. 

تزايد حالات عدم دفع الأجور

تأثر قطاع الإنشاءات في البحرين بشكل سلبي وكبير بالتراجع الاقتصادي الذي تسبب فيه الانخفاض الكبير في أسعار النفط. وأدى ذلك إلى تفاقم الممارسات المتفشية أصلاً والمتمثلة في عدم دفع الأجور. وبذلك يصبح العمال المهاجرون، كونهم الحلقة الأضعف، هم الأكثر تأثراً وتحملاً لنتائج هذا الوضع.  

وخلصت دراسة حديثة أجرتها منظمة العمل الدولية (ILO) على عمال قطاع الإنشاءات في المنطقة، إلى أن "الكثير من المقاولين الذين يعتمدون على التمويل قصير الأمد عانوا من تأثيرات الوضع على رأس المال العامل وعلى قدرتهم على تسديد ديونهم، وأن الكثير من الشركات العاملة على مشروعات حكومية أصبحت تواجه صعوبة في دفع أجور العاملين لديها."

وفي خلال الشهور الأخيرة، قام عمال ينتمون لقطاعات عمل مختلفة باحتجاجات في عدة مناطق في البحرين احتجاجاً على عدم دفع رواتبهم، وعلى أوضاع العمل السيئة، إلا أن عدد قليل من هذه الاحتجاجات حظيت بالتغطية الاعلامية. 

وقد دفع   ارتفاع حالات عدم دفع الأجور مجلس الشورى لمناقشة الموضوع في مارس 2019، وقامت عضو مجلس الشورى، منى المؤيد، بتسليط الضوء على الوضع البائس الذي تعاني منه أعداد كبيرة من العمال المهاجرون الذين لم يتسلموا أجورهم، وطالبت باتخاذ إجراءات تجاه الشركات التي فشلت في دفع أجور عمالها.

في 4 ديسمبر 2018، قام نحو 300 من عمال شركة موتورز البحرين، وهي شركة مقاولات، بالاحتجاج في موقع الشركة في منطقة حفيرة، على عدم تسلّمهم أجور أربعة شهور. وتدخلت قوات الشرطة لوقف المحتجين وإعادتهم إلى أماكن سكنهم. وأخبر أحد العمال صحيفة Gulf Daily News الناطقة باللغة الإنجليزية: "هناك عمال هنود، وباكستانيين وبنجلادشيين لم يتسلموا رواتبهم منذ أربعة شهور، ليس معنا أي مال ومن الصعب علينا المواصلة بهذا الشكل."

جمعية حماية العمال الوافدة تقوم بتوزيع المواد الغذائية على عمال (برامكو) المتضررين

ولا يقتصر عدم دفع الأجور على قطاع الإنشاءات. ففي 6 يناير 2019 ، تقدمت مجموعة من عمال "فندق ميرادور" الكائن في المنامة، بشكوى على مؤسستهم بسبب عدم دفع رواتبهم لمدة 8 شهور. كما احتج مئات من عمال "شركة رمسيس للتجارة" في 15 سبتمبر 2018، على عدم دفع أجورهم لعدة شهور. وتحدثت Migrant-rights.org لعدد من العمال الذين لم يتسلموا رواتبهم لنحو ستة شهور. وتم تفريق هذه الاحتجاجات من قبل شرطة الشغب. 

وكان وزير العمل والتنمية الاجتماعية، جميل حميدان، قد صرح   أن 2863 عاملاً ينتمون لـ18 شركة تقدموا بشكاوى بسبب تأخر رواتبهم لمدة تصل إلى ستة شهور للبعض منهم. واعتبر الوزير عدد الشركات (18) ليس كبيراً، إلا أنه دعا لاتخاذ الإجراءات القانونية تجاه هذه الشركات التي فشلت في دفع أجور عمالها. 

عمال شركة رمسيس يحتجون على عدم تسلّم رواتبهم لعدة شهور (سبتمبر 2018)

وحين يتم التقليل من شأن الشكاوى بشان تأخير دفع الأجور، لا يؤخذ في الاعتبار التأثير الكبير الذي يتسبب فيه تأخير راتب واحد لعامل واحد فقط، إذ كشفت مقابلات أجرتها migrant-rights.org مع عمال في الوضع نفسه في دول الخليج ، أن تأخير الأجور لا يعني فقط معاناة العامل نفسه في البلد الذي يعمل فيه وإنما أيضا معاناة عائلته في موطنه؛ فإذا لم يتمكن العامل من إرسال المال فإن ذلك يعني أن رسوم مدارس الأبناء هناك لن تدفع، ولن تتمكن العائلات من شراء المواد الغذائية بالإضافة إلى عدم القدرة على تسديد الديون المرتبطة غالباً بتوظيف العامل أصلاً. 

"... ليس لدينا المال، يصعب علينا المضي في هذا الوضع."

وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدد الشكاوى الرسمية لا تمثّل حجم المشكلة. فالكثير من العمال يؤجلون تقديم الشكاوى أملاً في أن يسدد صاحب العمل المتأخرات من أجورهم. وعندما يحاول العمال التقدم بالشكوى فإن الوزارة غالباً ما تحاول أولاً التفاوض مع صاحب العمل قبل أن تحوّل القضية الى المحكمة العمالية. أما العمال غير النظاميين فيتجنبون تقديم أي شكوى خوفا من تعرضهم للقبض عليهم. 

الآثار المترتبة على عدم دفع الأجور والردود الحكومية

من شأن عدم دفع الأجور، والصعوبات المالية، والعيش في أوضاع بائسة أن يدي إلى ما أسماه الباحث البحريني، عبدالهادي خلف  “الحلقة المتوحشة للفقر" والتي تُعرض العمال المهاجرين إلى ضغوطات عالية وتدفع بعضهم للانتحار. وتشير وسائل الإعلام إلى انتحار 37 من العمال المهاجرين في 2018. وهذا ليس رقماً رسمياً كما أنه لا يشك=مل محاولات الانتحار الفاشلة.

وأبلغ أرولداس توماس، رئيس صندوق المجتمع الهندي للإغاثة (ICRF ) صحيفة GDN أن 18 من 23 عاملا مهاجراً ممن قضوا انتحاراً في 2018، كانوا من ضحايا عدم دفع الأجور. وبحسب تقارير إعلامية فإن عدد حالات الانتحار بين العمال المهاجرين بلغ 29 شخص حتى أكتوبر 2019. 

وقد دفع تزايد عدد حالات الانتحار بين العمال المهاجرين، جماعات المجتمع المدني من المهاجرين للمبادرة بحملات لوقف الانتحار. وقام صندوق المجتمع الهندي للإغاثة بتنظيم برامج تدريبية لأكثر من 100 متطوع لتوفير خطوط ساخنة للدعم والاستشارة للعمال المهاجرين. 

ولم يصدر عن الحكومة حتى الآن رقماً رسمياً عن إجمالي حالات عدم دفع الأجور في 2018. إلا أنه وبحسب صحيفة GDN فإن عدد حالات عدم الدفع التي سجلتها الوزارة بلغ 1760 حالة بزيادة عن الحالات التي سُجلت في 2013 عند مستوى 276 حالة. وفي مقابل هذا التزايد في حالات عدم دفع الأجور قامت الحكومة، وبشكل مؤقت، بتوسعة نظام التصريح المرن ليشمل العمال الذين لم يتسلموا أجورهم وممن قاموا بتقديم شكوى على أصحاب العمل لدى المحكمة العمالية. وقال الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل LMRA، أسامة العبسي لصحيفة GDN:"أي شخص لم يتسلم راتبه، أو بانتظار البت في قضية ذات علاقة بعدم دفع الأجر، بإمكانه التقديم للحصول على التصريح المرن". 

18 من 23 عاملا مهاجراً ممن قضوا انتحاراً في 2018، كانوا من ضحايا عدم دفع الأجور

إلا أن التكلفة المرتفعة لنظام التصريح المرن يعني أن غالبية العمال لن يكون في متناول يدهم الاستفادة من ذلك، خصوصاً هؤلاء الذين لم يتسلموا أجورهم لعدة شهور. وفي فبراير 2019، رفعت الحكومة الرسوم الأولية للتصريح المرن من 449 دينار بحريني (1190 دولار أميركي) إلى 749 دينار بحريني (2000 دولار أميركي). 

هل يحلّ نظام حماية الأجور مشكلة عدم دفع الأجور؟

تعتبر البحرين هي آخر دولة في الخليج تتبنى نظام حماية الأجور. ففي أبريل 2019، أعلنت الحكومة أنه سيتم تطبيق النظام على الشركات التي يبلغ عدد موظفيها 500 شخصت إلا أنه تم التأجيل حتى سبتمبر 2019. ووضع النظام تحت التجربة بتطبيقه في عدد من الشركات الكبرى. 

ويلزم نظام حماية الأجور أصحاب العمل بدفع الرواتب من خلال التحويلات المصرفية ويتم إخطار الحكومة بأي تأخير أو عدم دفع للأجر. و قال العبسي أنه سوف يتم تطبيق نظام حماية الأجور على مراحل وسوف يغطي جميع العمال بالتدريج. وأبلغ صحيفة  GDN "أن نظام حماية الأجور سوف يضع نهاية لاستغلال العمال إذ أن إعطاء الأجر نقداً سوف يتوقف. "

ويعتبر نظام حماية الأجور خطوة في الاتجاه الصحيح وتوفر شفافية أكبر وكفاءة في الكشف عن خلافات دفع الأجور وبالتالي حلها. إلا أنه ليس من المحتمل أن يقضي، منفرداً، على تأخير دفع الأجور أو عدم الدفع. وكانت Migrant-rights.org قد غطت القضايا الأساسية التي وجدت أن البحرين بحاجة لأخذها في الاعتبار عند طرح نظام حماية الأجور، كما تطرقت إلى فشل نظام حماية الأجور في كشف حالات عدم الدفع، وحماية العمال من الحرمان من تسلّم أجورهم في دول الخليج.  هذا مع العلم أنه حتى مع وجود نظام لحماية الأجور فإن العمال معرضين ليتضرروا من عدم دفع الرواتب وذلك في حال ترك صاحب العمل للبلد أو إعلان الإفلاس قبل دفع أجورهم. كذلك فإنه بإمكان أصحاب العمل في البحرين إلغاء تأشيرة إقامة العمال بدون سابق إنذار إذا ما كان العامل خارج البلد مما يمكنهم من تجنب الدفع لأية أجور مستحقة. 

ومن المهم أن تؤسس حكومة البحرين إطار عمل من هذه الممارسات، والتوصيات الرئيسية ما يحقق الحماية للعمال المهاجرين منخفضي الدخل، وهي:

  • تطبيق الخطوات التي وضعتها منظمة العمل الدولية للحد من تأخير أو عدم دفع الأجور 
  • مد نظام حماية الأجور ليشمل جميع العمال، وليس فقط عمال الشركات الكبرى
  • تحسين الردود على الشكاوى، ومساعدة العمال الذيم لم يتسلموا رواتبهم في التقدم بشكوى بدعمهم وتزويدهم بمترجمين ومحامين
  • وقف عمليات الاحتجاز والترحيل للعمال المهاجرين ممن يحتجون على أوضاعهم أو يصبحوا غير نظاميين بسبب عدم تسلمهم أجورهم، وتمكين العمال المهاجرين من تغيير صاحب العمل بيسر. 
  • بإمكان النقابات العمالية في البحرين من العمل معاً لتشجيع العمال المهاجرين من الاتحاد وتأسيس شكل من أشكال التفاوض الجماعي من أجل التأثير على ممارسات أصحاب العمل.